صالح حسن ابو عسر
لحظات ما قبل التعافي ، الصين تدير زر التشغيل

 رغم أن الفأر بدأ سنته الصينية نشيطاً ومتوثباً ومتحمساً لإجازة الربيع ، لكنه ما لبث أن ارتدى قِناعه الطبي وانزوى قلِقاً على مدى ما يقارب شهراً كاملاً - فأر السنة الصينية الجديدة -* لم يستسلم لكورونا الجديد فالحكومة الصينية أعادت له نشاطه وحيويته بإجراءاتها التاريخية لاحتواء الوباء ومعالجته . 
كنتُ قد غادرت الصين في بداية اجازة الربيع في رحلة مُخطط لها مسبقاً لكنني لم ألجأ أبداً إلى تمديد إجازتي أو تغيير وجهتي رغم التحذيرات ونصائح المقربين ، وهذا القرار ليس من باب المغامرة أو المجازفة فأنا أعلم أن هكذا أمر ليس مكاناً لاختبار الشجاعة والمغامرة - وخصوصاً أنني برفقة زوجتي وابننا القادم قريباً - ،لكنني ومنذ فترة  ألجأ إلى اتخاذ قراراتي بناءً على شجرة الاحتمالات الممكنه في المدى المنظور وكانت احتمالات كورونا تظهر أمامي بهذه الطريقة إما أن : 
- كورونا سينحسر وستسيطر الصين عليه وفِي هذه الحالة فالوضع الطبيعي هو العودة إلى الصين وممارسة عملك وحياتك الطبيعية .         
أو أن :
- كورونا سيتفشى ولن تستطيع الصين السيطرة عليه وبالتالي سينتشر في الكرة الأرضية كلها (فما لا تستطيع الصين السيطرة عليه لن تستطيع دولة أخرى فعل ذلك ) ،وفِي هذه الحالة أيضاً فإن أفضل مكان لمواجهة كورونا هو الصين ، بحكم الخبرة في هذا المجال والنظام الصحي القوي .   
خلاصة الأمر أنه في كل الحالات فإن القرار الأنسب هو العودة للصين ، ومع هبوط الطائرة في مطار بودونغ الدولي في شنغهاي أدركت حجم الفارق بين الواقع الحقيقي والواقع الافتراضي للإعلام الذي عمل بقصد وبدون قصد على إظهار كورونا الجديد عبر عدسة مكبرة مئات المرات ، استقبلنا ضباط المطار وموظفيه بصورة أكثر لطفاً من الصورة الرسمية إذ شعرنا بحالة إكبار من الجميع ، لمجرد أننا فقط استطعنا عبور الخندق الوهمي للإعلام الذي يظهر الصين ذات ال10 مليون كم مربع كما لو كانت غرفة بدون نوافذ محصورة في مدينة اسمها ووهان!.
بالتأكيد لا مطار شنغهاي ولا محطات قطارها هي ذاتها التي أعرفها من حيث الكثافة السكانية لذا بدت لي واسعة أكثر بكثير منها في غير هذا اليوم ، لكن الدولة بحضورها القوي والمُنظم هي ذاتها لم يختلف في حضورها شيء ، وهذا الأمر هو ما جعلني أكثر إيماناً بأن أقدس المقدسات لدى أي شعب يجب أن يكون (الدولة ) ، اذ لا شيء أهم من ذلك .
يثق الصينيون في الإجراءات الرسمية ويلتزمون بها لكنهم لا يخافون الوباء كما يخاف منه من يعرفونه من الاعلام فقط ، فهنا يستقبلني موظف المطار وسائق التاكسي وبائع الخضار بلا خوف و بابتسامة تظهرها عينيه -وعينيه فقط - لأن بقية ملامحه مختبأة وراء القناع الطبي الإلزامي للجميع هنا .
الشهادة على لحظات ما قبل التعافي هذه أمراً يستحق الكتابة إذ تمكنك من رؤية اللحظة الفاصلة بين الخوف والأمان ، ما زال تأثير الفيروس واضحاً على كل شيء لكن الصين عملياً تحركت  ، والصين أجمل وهي في وضع التشغيل . 

مقالات أخرى